هل سمعتم قصة الفلبيني وصديقته اللذين اعتقلتهما الشرطة لانهما كانا يسيران في شارع عام في دبي متشابكي الايدي؟ هل قرأتم تحذيرات مكتوبة في الصحف باللغات المختلفة طبعت على جدران المدينة تحذر من العلاقات الخاصة، وتهدد بالحبس والطرد من يقبض عليه يقبل صديقته او زوجته، او حتى يصفر لأخرى؟
وياويل أي امرأة تلبس ثوبا يظهر اذرعها او شيئا من سيقانها. جملة قرارات لم تعرف مدينة مثلها الا الرياض السعوية، التي تعيش حاليا حالة تململ شعبية واسعة معاكسة لمثل هذه القرارات. ياله من أمر غريب. كنا خائفين من البنوك وافلاس الشركات العقارية لكن الضربة القاصمة جاءت من الشرطة وعقلية العيب الطارئة على مشرعي دبي!
في العالم كله قالوا انها نهاية دبي، المدينة التي تحسدها المدن العربية بعد ان صار نجاحها قصة عالمية. قالوا فقاعة عقارية، ودعاية اعلامية، ومدينة كرتونية، هذه بعض تعليقات الشامتين في دبي الذين ظنوا انها دفنت نهاية العام الماضي في تراب الازمة المالية العالمية واخبارها المفزعة، وروايات الاحد عشر الف سيارة التي زعم ان اصحابها تركوها في مواقف المطار وفروا دون ان يدفعوا اقساط بيوتهم.
اليوم الكل يرى انها اكاذيب، دبي مستمرة في مشروعها التوسعي في البر والبحر والجو، وفنادق المدينة رغم انخفاضها النسبي سجلت ارقاما اعلى من القاهرة وتونس والدار البيضاء، وبيروت مجتمعة.
لكن المفاجأة .. دبي في خطر ليس بسبب الأزمة العالمية، او التهديدات الايرانية، او الارهاب العالمي. البعبع الذي يخيف اهل هذه المدينة الرائعة اليوم ليست الا القوانين القراقوشية الجديدة نحو المحافظة المفرطة ظهرت في الاخبار والاعلانات وانتشرت شائعاتها كالنار في الهشيم بين المقيمين.
كثير من العرب والاجانب خائفون فقط مما سمي بالـ"القوانين الاخلاقية" التي طرأت على دبي، المدينة التي اشتهرت دائما بانفتاحها وتسامحها الاجتماعي والانساني. وكثيرون يقولون علانية انهم سيهربون الى اي مكان آخر لو ثبت صحيحا ان دبي تنوي التضييق على حياة الناس، والكثيرون يتطلعون للهرب الى ابوظبي او الدوحة المدينتين اللتين اعلنتا عن انفتاحهما الاجتماعي والشخصي والانساني.
هذا الحوار مع احد اصدقائي من سكان المدينة الوردية يعكس حالة الخوف:
= هل تصدق ان دبي تريد ان تكون مثل الكويت والرياض؟
- لقد نشرت قرارتها الصحف الرسمية واعلنت في كل مكان، لابد انها صحيحة.
= لكن دبي في النهاية مدينة عربية محافظة!
- أيضا بيروت والقاهرة والدار البيضاء مدن عربية، ونحن لن نعيش في مدينة سقف الحرية الاجتماعي فيها اقل من بيروت. صدقني ان القوانين الاخيرة ستقتل دبي اكثر من اي ازمة أخرى. ما الذي يبقيني هنا، لا يوجد في دبي طقس جميل كبيروت وعمان، ثم انها اغلى من الرياض، ما الفائدة من الجلوس في مدينة منغلقة وغالية وحارة!
= انتم تحتاجون الى دبي بحكم حاجتكم الى الوظيفة!
- عملت في جدة، وهي ارخص معيشة من دبي بنحو خمسين في المائة، وفيها وظائف اكثر، لكنني اخترت الانتقال الى دبي حبا في الحرية، وفي النهاية يا اخي ليس بالخبز وحده يحيا الانسان.
هذا رأي فرد يحب دبي ويخاف عليها، وهنا ليسمح لي صناع القرار في دبي ان احثهم على عدم الاستماع الى مدير الشرطة ضاحي بن خلفان، فهذا الرجل يمثل رؤية رجل شرطة وليس صانع دولة. انه يريد مدينة خالية من كل شيء، حتى من البشر. الحقيقة التي لا يفهمها كثيرون ان لدبي قصة طويلة وتجربة عريقة في بناء مجتمع حر اجتماعيا واداريا، منذ ايام مؤسسها الشيخ راشد بن مكتوم يرحمه الله. واصبحت فكرته قصة عالمية بجهد شجاع من ابنه الشيخ محمد الذي صار رجلا نموذجا عالميا، بنى مدينة من العدم بزت مدن النفط في كل شيء، بنى ما هو اهم من مدينة خراسانية، بنى ثقة الناس في دبي. لهذا ان تحطيم الحريات الخاصة فيه تحطيم لروح المدينة. فيه تحطيم لمشروع نموذجي عربي نادر النجاح. وهو امر يتمناه الكثير من الحساد الذين يرون ان دبي تفضح بيروقراطيتهم وتخلفهم وفشلهم وبالطبع عجزهم. ان الحرية هي رأس مال مهم اكثر من رؤوس اموال البنوك التي سرعان ما سقطت مثل حبات الدومينو.
على مدى سنين تحدت دبي كل مدن الخليج في مسألة الحرية وانتصرت، واثبتت انها مدينة عالمية جاذبة لكل الناس، يرغب ان يسكن فيها لاعب التنس الالماني وبطل الغولف الاميركي وتجار روسيا ونجوم بوليوود الهنود، رغب فيها انجليز وفرنسيون وكنديون وسوريون ولبنانيون ومصريون وبالطبع سعوديون وكويتيون وحتى قطريون وايرانيون. هؤلاء وضعوا كل تحويشة عمرهم في شقة الحرية. دبي بالنسبة لنا هي شقة الحرية نتفس هواء الحرية الاجتماعية فيها لا هواء دبي المليء دائما بالغبار، ودبي مليئة بالعيوب.. غالية المعيشة، ممنوعة من السياسة، وسيئة المناخ رطوبة، وترابية، وحارا جدا. مع هذا الناس حجت اليها تريدها لانها مدينة مختلفة، وجامعة للقيم الحديثة من احترام الحريات الى اعطاء الفرصة للمبدعين والطامحين والهاربين من الواسطات والفساد والتسلط الشخصي.
سألت موظف المطعم في الفندق لماذا الباب موارب الى درجة انني رجعت ظنا مني انه مغلق، قال آه.. هذا نظام جديد مفروض على مكان فيه حانه. فوجئت مع انني رجل لا اتعاطي الكحول، وعمري تجاوز مرحلة المراهقة، مع هذا علي ان اقلق وانا ارى دبي تنتكس بعد ان صارعت سنين من اجل ان تبقى مدينة مفتوحة تحترم الحريات، حتى صارت اشهر واحدة من اهم مدن العالم ليس بسبب برج دبي او برج العرب بل لقدرتها على استقطاب الملايين من الساكنين والسواح الذين يريدون ان يتمددوا على الشاطيء دون ان تضايقهم قوات الشرطة الدينية، وهذا لا يعني اننا نقبل بما فعله العاشقان الانجليز اللذان مارسا الجنس عليه، فهذا امر ممنوع حتى في بريطانيا وهولندا وكل مكان يحترم الحريات. نحن لا ننكر على دبي رغبتها في منع المرفوض لكن علينا ان نقول لدبي لاتكوني اقل من بيروت، او القاهرة، والا فانها نهاية دبي الحلم.
Sponsored Links
يغار الحلى مني
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى يغار الحلى مني
البحث عن المشاركات التي كتبها يغار الحلى مني